القائمة الرئيسية

الصفحات

عبد الحميد بن باديس









ولد عبد الحميد بن باديس, بمدينة قسنطينة, في يوم الأربعاء 10ربيع الثاني 1307هـ, الموافق لـ 05-12- 1889م.  ونشأ في أسرة عريقة معروفة بالعلم و الجاه واليسار, فكان من أجداده الأولين (المعز ابن باديس) مؤسس الدولة الصنهاجية الأولى - التي لعبت دورا كبيرا في  البلاد أثناء العصور الإسلامية المزدهرة في المغرب الإسلامي- التي خلفت دولة الأغالبة على مملكة القيروان, ومن أسلافه المتأخرين (المكي بن باديس) الذي تولى منصب القضاء بقسنطينة . ووالده (محمد المصطفى بن مكي  
بن باديس)  صاحب مكانة مرموقة و شهرة واسعة, جعلته موضع التقدير والاحترام بقسنطينة, وأمه  كريمة من كرام عائلة ابن عبد الجليل (ابن جلول) تدعى زهيرة بنت علي الأكحل.
وتمتد شجرة العائلة الشيخ بن باديس إلى باكين بن زيري مؤسس دولة بنى زيري والذي بنى كل من مدينة الجزائر العاصمة وملياينة والمدية في القرن العاشر الميلادي.
 
كان ابن باديس بإمكانه الدخول إلي المدارس الفرنسية مثلما فعل اغلب العائلات الغنية آنذاك ولكنه فضل أن يتلقى تربية إسلامية , فأتى له والده بالمعلم إلي البيت وكان الشيخ محمد المداسي أول معلم لعبد الحميد ابن باديس وقد أعجب بذكاء ابن باديس مما جعله يقدمه لإمامة المصلين في صلاة التراويح ثلاث سنوات كاملة في الجامع الكبير { قسنطينة } . 
ويعتبر الشيخ حمدان لونيسي من الأساتذة الذين تركوا تأثيرا بليغا في الشيخ ابن باديس  وكان وراء رفضه تولي أية وضيفة في الحكومة الاستعمارية و يقول عن ذالك : فقد أوصاني وشدد علي أن لا أقرب الوصيفة ولا أرضاها ما حيت ولا أتخذ علمي مطية لها كما كان يفعل أمثالي في ذالك الوقت.
ونظر المدى ارتباط ابن باديس بأستاذه فإنه أراد مرافقته إلى الحجاز عندما هرب من القمع الاستعماري لكن رفض أبوه ذلك، فوقع الشيخ ابن باديس في حيرة بين إتباع أستاذه الثائر ضد الاستعمار أو طاعة والده الذي لم يبخل عليه بأي شيء من أجل تعليمه حيث كان يقول : يا عبد الحميد أنا أكفيك أمر الدنيا أنفق عليك أقوم بكل أمورك ما طلبت شيئا إلا لبيت طلبك كلمح البصر فاكفني أمر الآخرة وكن الولد الصالح الذي ألقى به وجه الله .
وكان والد ابن باديس عجز على مواجهة الاستعمار مباشرة و أراد تعويض ذلك بتنشيئه ابنه للقيام بهذه المهمة لعل ذلك العمل يشفع له عند لقاء ربه يوم القيام .
وعند التاسعة عشرة من عمره التحق ابن باديس بجامع الزيتونة بتونس فتحصل على شهادة العالمية بعد أربع سنوات من الدراسة عرف فيها بكثرة المطالعة فكان ينهل من الصحف والكتب التي كانت تأتيه من الشرق الإسلامي وقد كانت تأتيه من المشرق  الإسلامي وقد كونت فيه هذه يخضع كل شيء للنظر والنقد فأصبح ينافس أستاذه في العديد من القضايا مثلما طرح فكرة تجديد التدريس بجامع الزيتونة واستبدال الطريقة التقليدية بطرق وبرامج حديثة مما جعله عرضة لهجوم الرافضين لكل جديد والمتمسكين بالقديم حتى لو كان باليا .
وفي عام 1912عاد عبد الحميد باديس من تونس إلى وطنه, ليبدأ جهاده في سبيل نشر العلم و اللغة و الدين , وفي الجامع الكبير بقسنطينة, بدأ يلقي دروسه, ولكنه قطع عمله في العام نفسه الذي بدأ فيه, وسافر إلى الحجاز لأداء الحج, و هناك التقى بأستاذه : الشيخ حمدان الونيسي, و تعرف على الأستاذ: محمد البشير الإبراهيمي و نشأت بينهما صداقة, و تلاقت أفكارهما في وجوب إنشاء حركة إصلاحية بالجزائر, ورسما لها منهاجا بحكمة ومهارة .
وعند رجوعه , عرج على مصر, فالتقي ببعض عملائها من أمثال مفتى الديار المصرية الشيخ محمد بخيت المطيعى و شيخ علماء الإسكندرية , أبي الفضل الجيزاوي, فأجازه كل منهما.
 
يمكن أن نحدد المناخ الذي تكون فيه ابن باديس بالفترة الواقعة بين عام 1847 م هو عام انتهاء كفاح الأمير عبد القادر وعام 1918 م وهو العام الذي انتهت فيه الحرب العالمية الأولي.
ومن المعروف أن متاعب فرنسا العسكرية في الجزائر لم تنته بانتهاء عبد القادر فعندما استولي نابليون الثالث على الحكم  عام 1852م كانت هناك مناطق شاسعة من الجزائر ما تزال خارجة عن النفوذ الفرنسي فالمناطق الواقعة ابتداء ببلاد القبائل على أبواب العاصمة إلى غاية سكيكدة كانت غير خاضعة للفرنسيين وفي نفس الوقت كان جنوب الجزائر يتحرك وتنطلق منه الهجمات في اتجاه الشمال.
وقد كانت وسائل المستعمر تكمن فيما يلي :
1- تشديد الخناق علي الجزائريين وخاصة في الأرياف وذلك بواسطة إثقال كاهنهم بالضرائب وتجريدهم من الأراضي  وتعجزهم بمختلف الوسائل حتى لا يقووا علي مقاومة .
2- قضاء على الدين الإسلامي حتى تنعدم عوامل السخط السياسي لان الفرنسيون كانوا متأكدين من أن القرآن هو سبب الثورات في الجزائر.
3- التفريق بين وحدة الجزائريين بلجوء إلي وذالك بزرع الفكر القومية { القبائل الشاوية ...}
4- ظهور فكرة التجنيد الإجباري0
5- ظهور قانون الانديجا الذي أنشئ  لقتل بوادر المقاومة .
وقد كان ابن باديس  الرجل المفكر الذي وقف ضد أفكار الفرنسيين في محاولتهم للقضاء على الشخصية الجزائرية ومسخ تاريخ الجزائر .
 
من أبرز الجوانب التي تلفت نظر الباحث في شخصية ابن باديس هو الجانب السياسي فيه فقد كان ابن باديس يهتم بالمشاكل السياسية ويتناقش فيها ويتحدث إلى الجماهير عنها لكنه لم يكن يقتصر في تناولها على الجانب الآني الذي يشترك في تصويره كل المثقفين بل كان يتجاوز دالك إلي تحليل  كل الأبعاد العميقة التي لا تظهر للعين مباشرة لأنها  ما تزال مختلفة في أطوار المستقبل وكان وهو يتعرض لقضية قائمة لا يفوته أن يستخلص المبادئ العامة التي تقوم عليها ويصوغها صياغة تصلح معها لان تكون منهاجا كاملا وليس مجرد مقال عابر أو خطبة سياسية .
من أبرز مميزاته : { الشهاب } في الثلاثينات وهو الحق والعدل والمؤاخاة في إعطاء جميع الحقوق للدين قاموا بجميع الوجبات وكان هدا الشعار في أعوام : -1929-1930-1931- تعبيرا عن اهتمامات مرحلة معينة .
وقد ضل ابن باديس يعمل في إطار هدا الشعار سنوات مستعملا مختلف الحجج بما فيه منطق الاستعمارين أنفسهم فإذا كانت فرنسا تعتبر سكان الجزائر فرنسيين تثقل كاهله بنفس الواجبات التي تثقل كأهل أبنائها مثل التجنيد في الحرب فلماذا لا تعطيهم نفس  الحقوق ؟
ومن هنا يجب أن نشير إلى الفاصل إبن باديس عن غيره من سياسي تلك المرحلة : فقد كان شعار هذه المرحلة عند ابن باديس مجرد محاولة تكتيكية تدخل في إطار هدف إستراتيجي أعلم هو الاحتفاظ بالشخصية الوطنية ومقاومة التذويب والمسخ.
 
اجتمعت عوامل متعددة أثرت في تكوين شخصية ابن باديس ، العلمية والثقافية، وأهمها:

1-    ذكاؤه واستعداده الفطري ، و قوة عزيمته الصلبة ، و قدرته على المواجهة وتخطى الصعاب.
2-  أسرته التي عرفت بالعلم و المجد و اليسار , فقد هيأت له فرص التفرغ للدراسة والتعليم ، وأمدته بمعونة مالية , جعلته حرا لا يتقيد بوظيفة أو عمل ، كما كانت درعا واقية له من بطش المستعمرين.
3-    ثقافة الدينية و العربية, و أعظمها تأثيرا في فكره و أسلوبه, هو القرآن الكريم.
4-  حركة الإصلاح في العالم الإسلامي و العربي, التي عاصرها ابن باديس, وكان لجريدة العروة الوثقى و مجلة "المنار" أثر بارز في حياته الثقافية واتجاهه الاصلاحى و الاجتماعي.
5-  آثاره العلمية: من آثاره الهامة, تفسيره للقرآن الكريم الذي دام إلقاؤه بجامع الأخضر خمسا و عشرين سنة, و كان منه آيات من سور مختلفة, كتبها و نشرها في مجلة الشهاب, وهي التي تقرأها في هذا السفر الجليل.
 
1-   تأسيس جمعية العلماء المسلمين:
تأسست جمعية العلماء المسلمين في عام 1931م كان الهدف من تأسيسها هو جمع شمل علماء الأمة بهدف تنسيق الجهود فيما بينهم لتحقيق الإصلاح الديني وفق أهداف محددة وخطة محكمة بينهم ومن أهم الشخصيات المؤسسة للجمعية رفيقه الشيخ الإبراهيمي الذي أصبح رئيسا للجمعية بعد وفاة ابن باديس والطيب العقبي ممثلها في العاصمة بالإضافة إلي العربي التبسي الذي استشهد أثناء الثورة ومبارك الميلي المعروف بكتابته تاريخ الجزائر في القديم و الحديث { و رسالة في الشرك ومظاهره }
2- إنشاء الكشاف الإسلامية الجزائرية:
إن الشيخ ابن باديس هو الذي أوحي بفكرة إنشاء الكشافة الإسلامية الجزائرية للشهيد محمد بوراس في عام 1933م وكان الهدف منها تربية النشء علي حب الوطن و الأخلاق العالية وقد أعدم الاستعمار محمد بوراس في عام 1941م بتهمة التحريض علي الثورة وقد تربي أغلب الشهداء و المجاهدين في الكشافة الإسلامية الجزائرية ومنهم العربي بن المهيدى و ديدوش مراد ...وغيرهما فقلما نذكر حياة شهيد من شهداء الثورة ألا ونجده قد تلقي تربيته الوطنية و الدنية في الكشاف الإسلامية الجزائرية .
3- التعليم وإنشاء المدارس الحرة:
عندما عاد ابن باديس من الحجاز في عام 1913م كان يجوب مساجد قسنطينة فيلقي فيها الدروس التي كانت تصل إلى عشرة دروس يوميا ثم أسس جمعية التربية و التعليم في قسنطينة لتهتم بتعليم هناك , وبعد إنشاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ركز جهوده منخلاها علي إنشاء المدارس الحرة بفضل أمواله وتبرعات الشعب فكانت هذه المدارس تعلم الأطفال و الكبار واللغة والدين والتاريخ التي هي مقومات الشخصية الوطنية , بإضافة إلي الحساب والجغرافيا وكان يفكر في إنشاء مراكز التكوين المهني و التقني لو لا العراقيل الاستعمارية له ويعتبر الجامع الأخضر بقسنطينة من أكبر المدارس التعليمية الذي كان يدرس فيها ابن باديس .
ونشير إلي أن ابن باديس كان يركز في اللغة العربية فلأنها كانت مهددة من الاستعمار الفرنسي ولا يعني ذلك انه لم يهتم بالغات الأجنبية بل كانت تدرس أيضا الفرنسية في المدارس الحرة استنادا إلفي حيث رسول الله ص:{ من تعلم لغة قوم أمن شرهم }
وقد اهتم ابن باديس  بتعليم البنات داعيا إلي نزع حجاب لجهل عنهن ولتحقيق ذلك إعفائهن من دفع رسوم التعليم عكس الذكور , وهي أموال تدفع للمساهمة ولو بقدر ضئيل في تمويل المدارس الحرة من الطلبة الأوائل الذين التحقوا عند اندلاعها ف أول نوفمبر 1954م
4- الصحافة:
شرع الشيخ ابن باديس في الكتابة في صحيفة النجاح منذ 1919م بهدف نشر أفكاره الإصلاحية , لكنه توقف عن الكتابة في الصحيفة بعدما انحرفت عن خدمت الوطن والدين , و أصبحت ألعوبة في يد الاستعمار فاضطر ابن باديس إلي إنشاء عدة صحف كوسيلة لنشر أفكاره و توعية الشعب الجزائري وكشف ألاعيب الاستعمار و أذنابه ...
وأول هذه الصحف { النقد} التي ظهرت في عام 1925م لكن الاستعمار أوقعها بعد أن اصدر منها 18 عدد وكان شعارها { الحق فوق كل أحد و الوطن قبل كل شئ }
وسميت بالمنتقد كدعوة لفكر ابن باديس التي كانت تقول بإخضاع كل شئ للنقد و النظر عكس ما كان يدعو إليه المتزمتون الذين كانوا يقلون { اعتقد ولا تنتقد }
وتظهر ثورة ابن باديس علي الأوضاع المنحطة في العالم الإسلامي من خلال جريدته { الشهاب } التي أنشأها في عام 1929م وعنوانها نابع من الشهب الحارقة التي ترمز إلي ضرورة حرق ومحو كل التقليد البالية و الماضي المنحط الذي ورثه المسلمون منذ دخولهم عصور لانحطاط فهي دعوة لثورة ضد الماضي المنحط من أجل التجديد وكتب ابن باديس في جرائد و صحف جمعة العلماء المسلمين كالبصائر و الشريعة .. بل كان ينشر مقلاته مترجمة بالغة الفرنسية في جريدة { الدفاع } الصادرة عن العلماء الفرنسية بهدف إيصال أفكاره الإصلاحية و الوطنية بكل حرية.
5- الخطابة:
كان ابن باديس خطيبا مفهوما فقال عنه احد الصحافيين الفرنسيين بأنه { قد ملك مقاليد الكلام , وبصوته الناري يستفسر الجماهير ... و أن نبرات صوته لتنتزع منك انتزاعا تجتث  من  صدرك ما أنت مقتنع به من رأى وتجعل منك عبده و ملك يمينه }
يعود تأثره الخطابي في الشعب إلي إيمانه الصادق بما يقوله , ولم يكن مثل الكثير يعرف العمل بل قرن كلامه بعمله فهو الذي يقرأ يوميا من القرآن { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون , كبر عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون  }وكانا بن باديس يخطب في المساجد و المؤتمرات و لتجمعات مثلما كان يلقي المحضرات في النوادي .
6- النوادي:
أنشأ ابن باديس و إخوانه العلماء الكثير من النوادي التي كان المثقفون و الأدباء يلتقون فيها ويتبادلون الأفكار حول الأمة وكانت تلقي فيها المحضرات ومن أهم النوادي نادي الترقي في العاصمة .
 ويمكن لنا القول أن الشيخ عبد الحميد ابن باديس استعمل كل الوسائل والأساليب الممكنة لنشر أفكاره الإصلاحية و الوطنية في صفوف الشعب الجزائري , بل كان وراء إنشاء نوادي كرة القدم , وفرق مسرحية وموسيقية , والهدف منها ترقية الشعب ونشر الأفكار الوطنية والإصلاحية وإخراج الشعب من الانحطاط و التخلف وما يدل علي إصرار ابن باديس علي الجهاد ونشر أفكاره هو رده المفحم علي سؤول  استعماري قال :
إنما أن تقلع عن هذه الأفكار و إلا أغلقنا المسجد الذي تنفذ فيه سمومكم ضدنا
فأجابه الشيخ: لن تستطيع ذلك, فأنا إن كنت في عرس علمت المحتفلين, وإن كنت في مأتم وعظت المعزين, أو في قطار علمت المسافرين... فأنا المعلم مرشد في جميع الميادين وخير لكم أن لتتعرضوا لها في دينها ولغتها.
يقول ابن باديس { اننا نربي تلاميذنا على القرآن ونوجه نفوسهم إلى القرآن من أول يوم وفي كل يوم وغايتنا التي ستتحقق أن يكون القرآن منهم رجالا كرجال سلفهم وعلي هؤلاء الرجال القرانيين تعلق هذه الأمة آمالها وفي سبيل تكوينهم تلتقي جهودها }
ولا يكتفي بذالك بل عليه ان يكون عصريا يتحكم في زمام الإقتصاد والعلوم والتكلونجيا فيقول لتلامذه : حافظ علي مالك فهو قوام أعمالك فاسلك كل سبيل مشروع لتخليصه وتنميه واطرق كل باب خيري لبذله ... حافظ علي حياة لك الا بحياة قومك ووطنك ودينك وجميل عاداتك وإذا أردت الحياة و طرق المعاشرة والتعامل . }  ويضيف:{ كن عصريا في فكرك وفي تجارتك وفي صناعتك وفي فلاحتك وفي تمدنك ورقيك }
    وعندما سأله أحد المسؤولين الفرنسين عن الهدف من جولاته إلى كل مناطق البلاد رد عليه :  إننانريد للمسلمين الجزائرين أن يبلغوا في المعارف والفلاحة والتجارة والصناعة مستوى الفرنسين، ولايمكن ان يتحقق كل ذلك حسب ابن باديس إلا بالتربية الإسلامية الصحيحة وطلب العلم والتأمل في الكون مثلما أمرناالقرآن الكريم { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت , وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت , وإلى الأرض كيف سطحت } وهي دعوة للمسلم للقراءة في الكتب والتأمل في الإنسان والطبيعة و الكون والمجتمع بهدف اكتشاف مختلف القوانين العالمية ثم الاستفادة منها.
1- الحفاظ على الشخصية الوطنية ومقوماتها :
تتمثل هذه المقومات في الدينالإسلامي و اللغة العربية التي كانت عرضة للتهديد الإستعماري الفرنسي للقضاء عليها لأنها تقف كحجرة عثرة امام محاولات الإستعمار في تحويل الشعب الجزائري إلي شعب فرنسي مما جعل ابن باديس ورفاقه يبذلون جهودا كبيرة في ذلك لأنهم يدركون انه لايمكن للجزائر أن تستقل عن فرنسا إذا ضيعت لغتها ودينها واللذين يميزانهما عن  الأمة الفرنسية فيقول ابن باديس في ذلك { إن هذه الأمة الجزائرية الإسلامية ليست هي فرنسا ولايمكن أن تكون فرنسا ولا تستطيع إن تكون فرنسا ولو أرادت بل هي بعيدة عن فرنسا كل البعد في لغتها و في أخلاقها , وفي عنصرها وفي دينها , لا تريد أن تندمج , ولها وطن محدود معين هو وطن الجزائر بحدوده المعروفة
 . ولهذا جعل شعار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين هو " الإسلام ديننا, العربية لغتنا , الجزائر وطننا " بمعنى الحفاظ على الإسلام و تنقيته من الخرافات التي ألصقت بالعقيدة الإسلامية ثم إحياء اللغة العربية و الحفاظ عليها هو الطريق لاستعادة وطننا الجزائر .
 2- محاربة الشعوذة و الخرافات:
كان ابن باديس يدرك كل الإدراك أن الاستعمار كان يشجع الخرافات و الشعوذة التي ألصقت بالدين الإسلامي لان ذلك هو الطريق لإعطاء صورة مختلفة و مشوهة عن الإسلام تمهيدا لإبعاد الناس تدريجا عنه معتقدين أن ه هي حقيقته عند مقارنته بما تقدمه الكنيسة الاستعمارية ولهذا حارب ابن باديس الطريقة الفاسدة و الشعوذة و الدورة بكل ما أوتي من قوة مثلما كان يفح هؤلاء المشعوذين و الدراويش و الطريقين الفاسدين الذين كانوا يلبسون ويستغلون الدين ويمتون  ملكة العقل والتفكير في الإنسان الجزائري بهدف تحقيق مصالحهم الخاصة فيقول عن الطريقة الفاسدة بأنها مبينة { علي الغلو في الشيخ و التحيز لإتباع الشيخ وخدمة الشيخ و أولاد الشيخ إلى ما هناك من استغلال وإذلال وإعانة للأهل الاستغلال  الإذلال والاستغلال ومن تجميد العقول إماتة للهمم وغير ذلك من تلك الشرور }
وأصبح ابن باديس يهدد مصالح هؤلاء المشعوذين الذين كانوا يتآمرون مع الاستعمار لإبقاء الشعب في تخلفه وعدم وعيه و سباته مما يسهل عليه استغلاله و إبقائه منقاد إليهم إليهم وكانوا يقيمون بكل ذلك باسم الدين البريء منهم ولم يكن أمام هؤلاء المشعوذين للدفاع عن مصالحهم إلا اغتيال ابن باديس فعرفوا كيف يستغلون أحد أتباعهم فزعموا له بأنه كافر وان قتله جهاد يفتح الطريق إلي الجنة فحاول اغتيال ابن باديس في 1927م لكنه أنجاه الله في آخر لحضت و ألقى عليه هذا الجاني لكن ابن باديس عفا عنه لأنه كان يدرك أنه لم فقم بفعلته بمحض إرادته وإنما بتحريض هؤلاء الدراويش المستغلين للدين و لجهل الجاني.


3- الحفاظ علي وحدة الأمة  والوطن :
حتى يبقي الفرنسي سيطرته علي الجزائر كان يطبق المبدأ الاستعماري المعروف: { فرق تسود }
فكان يعمل جاهدا التفريق بين الشعب الجزائري وضرب بعضه البعض ,   فلجأ خاصة إلي التفريق بين العرب و البربر و إثارة الفتة بين الطرفين و أكثر من هذا حاول الاستعمار التفريق بين البربر أنفسهم فقسمهم إلي وحدات عشائرية : القبائل والشاوية و الطوارق وبني ميزاب  ....
فلم يكن أماما بن باديس إلا  العمل من اجل إطفاء نار الفتنة بين أفراد أبناء الشعب الواحد فكان يقول :{ إن أبناء يعرب و أبناء مزيغ قد جمع بينهم الإسلام منذ الصغر عشر قرنا ثم بدأت تلك القرون تمزج ما بينهم في الشدة والرخاء وتألف بينهم في العسر واليسر, وتوحدهم في السراء والضراء حتى كونت منهم منذ أحقاب بعيدة عنصرا مسلما أمة الجزائر أبوها الإسلام , وقد كتب أبناء يعرب و أبناء مزيغ آيات اتحادهم علي صفحات هذه القرون بما أرقوا من دمائهم في ميدان الشرف لإعلاء كلمة الله , و ما أسالوا من محاربهم في مجالس الدرس لخدمة العلم ...
فأي قوة بعد هذا يقول عاقل تستطيع أن تفرقهم لولا الظنون و الكاذب و الأماني الخادع, يعجبا لم يفتقروا وهم أقوياء فكيف يفترقون وغيرهم القوى ؟
كلا والله بل لا تزيد كل محاولة لتفريق بينهما إلا شدة في إتحادهم وقوة لرابطتهم }
هذه هي الأهداف التي وضعها ابن باديس والتي كان يرها ضرورية لبناء الإنسان الذي سيقوم ببناء الجزائر بعد الاستقلال بعد أن يحررها من الاستعمار .
 
ظل الأستاذ الإمام عبد الحميد بن باديس يواصل جهاده في جميع الميادين. من أجل العلم و الوطن و العروبة و الإسلام  بالرغم من نحالة جسمه , بإيمان و عزم، عندما اندلعت الحرب العلمية الثانية عام 1939م طلبت السلطات الاستعمارية من الشيخ عبد الحميد بن باديس إصدار بيان مؤيد لفرنسا فرفض أن يتخذ موقفا من صراع لا ناقة  فيه ولا جمل الشعوب المستعمرة وكيف يلبي وهو يقول : { لو طلبت مني فرنسا قول لإله إلا الله لما قلتها }  
وبسبب موقفه ذلك وضع تحت الإقامة الجبرية بمنزله في قسنطينة حتى نعي الشعب الجزائري , مساء يوم الثلاثاء, 8 ربيع الأول سنة 1359هـ (16 أفريل 1940م) الذي  اتخذته الجزائر يوم العلم بعد الاستقلال وقد قال البعض انه قد قتل مسموما من طرف الاستعمار.
وقد شيعت جنازة الشيخ في موكب عظيم حضرته مختلف الطبقات و الهيئات التي عدت بعشرات آلاف , جاؤوا من جميع أطراف الوطن. وقام بتأبينه, قبل مواراته التراب, رفيقاه في الجهاد العلمي: الشيخ مبارك الميلى و الشهيد الشيخ العربي التبسي, ثم الدكتور بن جلول. وقد دفن جثمانه في روضة أسرته بحي الشهداء بقسنطينة, رضي الله عنه في الخالدين.
       رحمك الله يا ابن باديس, عشت و مت مجاهدا  من أجل الجزائر و العروبة و الإسلام, فربطت الجزائر العربية المسلمة ذكرى وفاتك بيوم العلم الذي تحتفل به كل سنة تقديرا وتخليدا لجهادك وعلمك من أجل تكريم الإنسان و تحرير الأوطان.